بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيئا  في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم
   

اإخبارالجن بوفاة عبدالله بن جدعان    

قال عبدالله بن محمد بن عبيد حدثني ابي حدثنا هشام بن محمد قال أخربني معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عامر بن وائلة قال : أخبرني شيخ من أهل مكة عن الأعشى بن إلياس بن زرارة التميمي حليف بني عبدالدار قال : خرجت مع نفر من قريش نريد الشام فنزلنا بواد يقال له : وادي عوف فعرسنا ( أي نزلنا) به فأستيقظت في بعض الليل فإذا أنا بقائل يقول :-

 ألا هلك النــساك غيــث بني فهر   

        وذو البـاع والمجد التــليد وذو الفخر

 فقلت فن نفسي والله لأجيبنه فقلت :

ألا أيها النــاعي أخا الـــجود والفخر    

            من الـمرء تـنعاه لنا من بـني فهر

فقال :

نعين ابن جدعان بن عمرو أخا الندى      

        وذا الحسب القدموس والمنصب القهر

فقلت له :

لعمري لقــــد نوهـــت بالــــسيد الذي

          له الفـــضل معروفا على ولد النضر

فقال :

مــــررت بنسوان يخمـــــشن أوجـــها

          صيـــاحاً عليه بين زمــزم والحجـــر

فقلت :

متى إن عهـــدي فيـــــه منذ عــــروبة  

            وتسـعة أيــــام لغــــرة ذا الشــهر

فقال :

ثوى منذ أيــــام ثلاث كوامل مع الليــل     

            أو فـي الـــليل أو وضـــح الفــــجر

فاستيقظت الرفقة فقالوا : من تخاطب ؟ فقلت هذا هاتف ينعي ابن جدعان .

فقالوا : والله لو بقي أحد بشرف أو عز أو كثرة مال لبقي عبدالله بن جدعان فقال الهاتف :-

أرى الأيام لا تبقى عزيزا    

                  لعـزته ولا تبقى ذليلاً

فقلت له :-

ولاتبقى من الثقلين شغراً   

        ولا تبقى الخزون ولا السهولا

قال : فنظرنا في تلك الليلة فرجعنا إلى مكة فوجدناه قد مات كما قال لنا .

قلت : عبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم يكنى أبا زهير هو ابن عم عائشة الصديقة ( عائشة بنت ابي بكر ) كان في ابتداء امره صعلوكا، وكان مع ذلك شريراًَ لايزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته ونفاه أبوه وحلف أن لا يؤويه أبداً لما أثقله من الغرم وحمله من الديات فخرج في شعاب مكة حائرا يتمنى نزول الموت به فدخل في شق جبل يرجو أن يكون فيه مايقتله ليستريح فإذا ثعبان عظيم له عينان تتقدان كالسراجين فحمله عليه الثعبان فأفرج له فأنساب عنه مستديراً بدارة عندها بيت فخطا خطوة أخرى فصعد به الثعبان وأقبل إليه كالسهم فأفرج له فأنساب فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فإذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولاً وعظماً وعند رؤوسهم لوح من فضة فيه تاريخهم فإذا هم رجال من ملوك جرهم وآخرهم موتاً الحارث بن مضاض صاحب القرية الطويلة وإذا عليهم ثياب لايمس منها شئ إلا انتثر كالهباء من طول الزمن . قال ابن هشام : كان اللوح من رخام ، وكان فيه أبو نفيلة بن عبدالمدان بن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود نبي الله عشت خمسمائه عام . وقطعت غور الأرض باطنها وظاهرها في طلب الثروة والمجد والملك ، فلم يكن ذلك ينجيني من  الموت وتحته مكتوب

قد قطعت البلاد في طلب الثروة 

                       والمجد قالص الأثواب

وسريت البـلاد قـفرا لقفر  

                   بقناتي وقـوتي واكتـسابي

فأصاب الردى ســــواد فؤادي    

                   بسـهام من المنايا صعاب

فانقضت شرتي وأقصر جهلي  

              واسترحت عـواذلي من عتابي

ودفعت السفاه بالحلم لما 

               نزل الـشيب في محل الشباب

صاح هل رأيت أو سمعت براع   

              رد الضرع ماقرى في الحلاب

وإذا في وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علّمَ على الشق بعلامة وأغلق بابه بالحجارة ، وارسل إلى أبيه بالمال الذي خرج به يسترضيه ويستعطفه . ووصل عشيرته كلهم وسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف ن فلما كبر وهرم أراد بنو تميم أن يمنعوه من تبذير ماله ولاموه في العطاء فكان يدعو الرجل فإذا دنا منه لطمه لطمة خفيفه ثم يقول : قم فانشد لطمتك واطلب ديتها فإذا فعل أعطته بنو تميم من مال ابن جدعان حتى يرضى . وذكر ابن قتيبة في غريب الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كنت أستظل بظل جفنة عبدالله بن جدعان صكة عمى ) يعني بالهجرة قال ابن قتيبة كانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير وسقط فيها صبي فغرق أي مات وكان أمية بن أبي الصلت قبل أن يمدحه أتى بن الديان من بني الحارث بن كعب فراي طعام بني عبدالمدان منهم لباب البر والشهد والسمن . وكان ابن جدعان يطعم التمر والسويق ويسقى اللبن فقال أمية :-

ولقد رأيت الفاعلين وفعلهم    

                فرأيت أكرمهم بني الديان

البر يلبك بالشهاد طعامهم       

                    لا ماتعللا بنو جدعان

فبلغ شعره عبدالله بن جدعان فأرسل الفي بعير إلى الشام تحمل إليه البر والشهد والسمن وجعل مناديا ينادي على الكعبة ألا هلموا إلى جفنة عبدالله بن جدعان فقال أمية عند ذلك .

له داع بمكة مشمعل    وآخر فــوق كعبـتها ينادي

إلى ردح من الشيزا    عليها لباب البر يلبك بالشهاد

وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة ؟ فقال ( لا لأنه لم يقل يوماً رب أغفرلي خطيتي يوم الدين ) وروى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت ) والمراد به حلف الفضول وكان في ذي القعدة قبل بعثة الرسول بعشرين سنة والله أعلم .

              

 بني مالك الطائف

موقع خلف المالكي

Free Web Hosting